هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مرحبا بك يا زائر آخر زيارة لك كانت بتاريخ الخميس 1 يناير 1970 وعدد مساهماتك 0 ::عدد أعضاء المنتدى 400 ::عدد المواضيع 625 ::عدد المساهمات 1179 ::عمر المنتدى 4779 يوم.
موضوع: كتاب” ثورة الأجساد المحترقة” الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 19:36
مقدمة
بلا شك في أن الكتابة حول ما يجري في العالم العربي اليوم من حراك سياسي واجتماعي وغيرهما يعد من المغامرة بمكان، وذلك بالنظر إلى حالة الوجدان التي يعيشها الإنسان العربي حيث الحماسة والاندفاع والانفعال المتهور مما يجعل من النظر إلى الأشياء بموضوعية ضربا من الاستحالة يصعب على المشتغل عليها التقيد بها، وإن دل ذلك فإنما يدل بالدرجة الأولى على حالة الغبن التي يعيشها الإنسان العربي لحد يعجز فيها عن تفسير ما حصل ويحصل من تحول لسنا ندري أيكون عميقا أم أنه لا يتعدى أن يكون ارتدادا إلى لحظة سابقة وإشكالات ماضية لم تحل بعد.
وأمام هذه الوضعية لسنا ندعي الكتابة العلمية الدقيقة بما نحاول تقديمه في هذا العمل، لأن الدافع الأول فيها- الكتابة- بالأساس كان هو موقف انفعالي تجاه الحراك الذي وقع بتونس ابتداء منذ 14 جانفي حيث اكتشف العالم كله حركة تتخذ لها من أدوات الحداثة ما أهلها بأن تلحق بالثورات الكبيرة، ذلك ما يذهب إليه الدكتور برهان غليون في قوله”إن هذه الثورة هي بالتأكيد ثورة الديمقراطية العربية كما وصفها العديد من المحللين، بما تعنيه الديمقراطية من إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الدكتاتورية، وإقامة نظم سياسية تقوم على مشاركة جميع الأفراد في القرارات العمومية عبر ممثلين ينتخبونهم بحرية وهذا ما حصل في أوروبا الشرقية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حصل في أميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية قبل ذلك في السبعينيات. لكنها ليست كذلك فحسب، ولا تقتصر على عملية إطلاق الحريات لشعب انتزعت منه.إنها أكثر شبها بالثورة الفرنسية التي لم تكن هي أيضا مجرد إطلاق للحريات أو تغيير نظام سياسي دكتاتوري بنظام ديمقراطي آخر، وإنما كانت إطارا لولادة أمة من هشيم الرجال والطوائف والجماعات المحلية والطبقات المتنابذة التي ينكر بعضها بعضا، ومن حيث هي كذلك، كانت في الوقت نفسه ثورة نفسية وأخلاقية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية تستبطن بالضرورة انقلابا جيوستراتيجيا أيضا.”
ولقد ارتأينا بأن يكون عنوان هذا العمل “ثورة الأجساد المحترقة أو حينما تكون حالة تونسية ” ليكون بذلك شاهدا على لحظة فارقة من حياتنا نحن كبشر عرب استحالت فيها جميع الخيارات لأجل التعبير عن حالة التسمم التي أصابت مناخ الحياة في البلاد العربية ليكون الجسد المحترق كعلامة على هذا الإفلاس والفقر الذي منحته تجارب البناء أو التأسيس لدولة وطنية طيلة فترة ما بعد الاستقلال والتحرر من الاستعمار الأجنبي كأداة تعبيرية وحيدة للاحتجاج والرفض لواقع ليس للبوعزيزي فيه ذنب سوى أنه تونسي، ولأنه ولد “بأرض كانت بتتكلم عربي”، فالجسد المحترق هو حالة تونسية تكشف عن نزعة تطهريه لدى العربي عموما من الراهن اليومي الذي يعيشه وهي النزعة التي عبر عنها من خلال ثورته 14 جانفي بإرادة شعبية تحت شعار” الشعب يريد “وبروح شابيه “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر” بدا خلالها الشعب التونسي متقدما بمسافة زمنية عما تعيشه الشعوب العربية الأخرى كحالة تونسية كشفت عن تجربة حداثية ساهم فيها الإنسان التونسي منذ خطاب الإصلاح وزمن الطاهر الحداد وكتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع ” وخير الدين التونسي وكتابه ” أقوم المسالك “إلى قيام الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال 56 ودستور 59 الذي يبقي على مسار الخطاب الإصلاحي والتأويل الدولاتي الحداثي للدين.
فتونس كانت أكثر البلاد العربية ملامسة للحداثة الغربية وللنموذج الفرنسي بالتحديد مما جعلها تجربة رائدة عربيا ومثار إعجاب النخبة، ولعل من منتجات تلك الحداثة موقع المرأة التونسية و المجتمع المدني هذا الأخير الذي بدا أكثر تنظيما وتأثيرا في حركية ثورة 14 جانفي بفضل محافظة النظام التونسي على الطبقة الوسطى والتي لم يعد لها وجودا في الكثير من البلاد العربية بفعل التهديم الذي تعرض إليه النسيج الاجتماعي والتباين الخطير البادي على تركيبة المجتمع، فغدت أقلية ثرية سيطرت على الريع كله، وغالبية محرومة، حيث تعيش ظروف الفقر والأمية والحرمان من أبسط ضروريات الحياة. ذلك ما كشفت عنه ثورة 25 جانفي حيث قرابة العشرين مليونا من فقراء مصر تعيش في المقابر.
فلقد أبدى المجتمع المدني التونسي فاعليته في التحوُل الجاري في المقاومة ضد أحادية نظام بن علي، كما عبر عن تنوُع وثراء الشعب التونسي، و عن دوره في رسم مستقبل تونس ما بعد 14 جانفي مما يتوقع أن يكون له موقعاً أساسياً في المناخ السياسي. وهو إذ يعتزم المشاركة في العملية الجارية كي يحمل إليها قِيَمَه في الاستقلال والديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. فإنه لا يستهدِف بذلك إحلال محل الأحزاب السياسية المَدْعُوَّة بحُكْمِ حقيقتها الأنطولوجية إلى صياغة مشاريع سياسية يعود التحكيم بينها إلى الإرادة الشعبية.
وأمام الخلاف الحاصل بين مثقفينا في تفسير الحالة التونسية ومن بعدها ثورة 25 جانفي وما تبعها في اليمن وليبيا وسوريا والعجز في إعطاء ملامح ما يحدث داخل الحراكات المعلنة بين متشجع في إعلانها ثورات وآخر ينفي عنها صفة الثورية، حاولنا تتبع مفهوم ” الثورة ” داخل مشاريع النهضة العربية التي لم تأتي والتي ظلت حلما وخطبا إنشائية ابتداء من الخطاب الإصلاحي والجامعة الإسلامية مرورا بحركات التحرر العربي التي نتجت عن ظاهرة الاستعمار الغربي المسلح وما تبعها من خطاب قومي ناصري ثم الإسلام السياسي والحركات الإسلامية، بشقيها السياسي والمسلح، وذلك من خلال المعطى الفكري لنماذج من مفكرينا، الدكتور حسن حنفي ومشروعه ‘الدين والثورة’ والدكتور ادونيس ومشروعه ‘الثابت والمتحول’ والدكتور عمارة ومشروعه ‘الإسلام والثورة’ للاعتقاد بأنهم يمثلون حالة فكرية عربية انحصر فيها النقاش بين ثنائيات ‘الأصالة والمعاصرة ‘و’التراث والحداثة’ و ‘الرجعية والتقدمية’ مما جعل مفهوم ‘الثورة’ عربيا يشهد التجاذب والأدلجة مع إسقاط النسق الغربي الذي ولد فيه مفهوم ‘الثورة’ من المقاربة والإفرازات التي أعطاها للبشرية مع ثورات كان فضاؤها الغرب والتي تعد أهمها الثورة الفرنسية بالنظر إلى تأثيرها على المنظومة القيمية للإنسان الحديث والمعاصر وأيضا بالنظر إلى التماسها من طرف مشاريع النهضة العربية. ولقد دل تتبعنا لمحددات ‘الثورة’ الغربية و مدلولاتها عربيا على المنهجية التقليدية التي تتعمد إسقاط المفاهيم دون اعتبار للسياق التاريخي ولا للنسق الثقافي المختلف من خلال قراءة تتبع الألفاظ ترجع إلى القرآن الكريم بل وتتعداه إلى ما قبله مما توفرت عليه أشعار العرب وأمثالهم ولا تعير اهتماما لسياقها أو لنسقها مع وجود القراءة التي أرادت أن تتبع مدلول “الثورة ” من خلال حركة المتحول في الثقافة العربية والإسلامية .
أما عن الأسباب المنتجة لهذا الحراك العربي الجاري فلقد وجدنا في مشكلة الحرية الموجه الأساسي في تصعيد الاحتجاج إلى حد المطالبة بإسقاط النظام مع أن الشعار الأساسي الذي حمله الشباب الثائر في بداية ‘الثورة’ هو ‘الشعب يريد’ ” ولم يكن ساعتها حديث عن بديل أو نموذج للديمقراطية مما جعل هذه الثورة هي ‘ثورة من أجل الحرية’ والتي حتما لا تعبر عن نوع معين من النماذج الديمقراطية الموجودة في القاموس السياسي مما يشير إلى أن الإنسان العربي عاش مرحلة من استلاب الحرية على الرغم مما كانت تتغنى به الديمقراطيات المنشودة عربيا أو خطاب العدالة الاجتماعية، والفرق واضح بين الديمقراطية والحرية، ذلك أن الحرية اشمل من الديمقراطية من حيث شمول الحقوق لجميع الأفراد وباختلاف أطياف المجتمع وبأقلياته وأغلبيته ، وهنا وجدنا بأن الثورة تعيش مأزق نموذج النظام السياسي الذي سيكون ما بعد الثورة حيث أصبح رفع شعار الديمقراطية ليس كافيا للحصول على الحقوق لجميع الأفراد على اختلاف الفروقات الموجودة بينهم وذلك على اعتبار أن الديمقراطية في مفهومها الإجرائي تعني الأغلبية وواقع الناس يكشف بأن الأغلبية لا تعني دوما الصواب، نقول هذا الكلام ونحن نفكر في واقع حقوق الأقلية القبطية في مصر أو الشيعية في البحرين أو العراق..مما أدى بنا البحث إلى القول بأن الديمقراطية تحتاج إلى العلمانية بوصفها الضامن الأساسي لحقوق الجميع الأغلبية والأقلية، وهنا أشرنا إلى علاقة السلطة القادمة ما بعد الثورة بالدين حيث ومن خلال تتبعنا إلى جهود الدولة التونسية ما بعد الاستقلال الوطني وجهودها الرامية إلى ‘دولنة الدين’ عن طريق استحداث تأويل واجتهاد جعل من الدين خادما للدولة مستثمرا في ذلك المنهج الإصلاحي مع زيتونيين منذ القرن الثامن عشر فإن الإسلام السياسي في الحالة التونسية يعد حالة خاصة ولن يشكل بعبعا أو مصدر قلق، بل إن تونس مع الإسلام السياسي قد تتجه إلى النموذج التركي. هذا الحال يعد غائبا في الحالة المصرية حيث بدا الإخوان ومنذ الاستفتاء على تعديل الدستور الخطر القادم من خلال ما سمي في بيان شباب الائتلاف والأقباط بـ’الاستقطاب الديني’ وكذا الرد العنيف والذي عبروا عنه
بـ ‘ردة الإخوان’ من قبل الأحزاب السياسية وشباب الائتلاف تجاه تصريحات نائب المرشد العام للإخوان المسلمون والذي جاء فيه بأن الإخوان يسعون إلى ”تطبيق الحدود بعد التمكين في الأرض” بحسب تعبيره.وهو التخوف الذي أشار إليه الدكتور حسن حنفي في مقال بعنوان مأزق الثورة ”وبعد أن كانت ثورة 25 يناير وطنية لا حزبية، تجمّع ولا تفرّق. لا فرق بين ديني وعلماني، بين سلفي وتقدمي، بين مسلم وقبطي، بين ليبرالي واشتراكي، بين رأسمالي وماركسي، الكل يدافع عن الحرية. فالحرية تسبق العدالة الاجتماعية والمطالب الفئوية، وبعد أن أصبح الإخوان جزءاً من الحركة الوطنية وليس جماعة منعزلة لها مطالبها النظرية الخاصة. فالحياة أخذ وعطاء، والاتجاه نحو النسبية في الأحكام بعيداً عن المطلقات والكليات التي تقسّم ولا تجمّع، تفرّق ولا توحّد وبعد أن ظهرت الوحدة بين المسلمين والأقباط، بين الهلال والصليب، وعقدت الصلوات الإسلامية والمسيحية في ميدان التحرير، يحرس المسيحيون المسلمين في صلاتهم، ويحرس المسلمون المسيحيين في صلاتهم، وبعد تكشف أن ما يسمى بالحوادث الطائفية من تدبير أجهزة الأمن لتمرير قانون الطوارئ وسيطرة الأمن على الحياة العامة في البلاد. بعد هذه النجاحات كلها بدأ الشقاق بعد نتائج الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، وتقسيم المصريين إلى فصائل واتجاهات وجماعات حول نتائج الانتخابات، الإخوان مع فلول النظام السابق وراء الأغلبية، ثلاثة أرباع الأصوات، والثوار بكل فصائلهم مع الأحزاب التقدمية القديمة وراء الأقلية.
بدأت الأقلية تهاجم الأغلبية، والأغلبية تدافع عن نفسها وكأن الحصول على الأغلبية جريمة يُعاقب عليها، والحصول على الأقلية ظلم يجب رفعه. الأغلبية تآمر وتحالف وخديعة والتفاف. والأقلية أخذت على غرة، وأزيحت عن حضورها الطاغي في قلوب الناس ظلماً وعدواناً. وكيف يتفق الإخوان مع فلول النظام السابق وهم الذين قاسوا منه أبشع أنواع الظلم والاضطهاد، والسجن والتعذيب منذ 1954 وحتى الآن؟.”
إن هذا التخوف لا يمكن إزالته إلا باعتماد العلمانية كشرط في علاقة الدين بالسياسة، وهنا لا بد أن نشير إلى مفارقة تغيب عن الإسلاميين اليوم وهي أن العلمانية المطبقة بتركيا والتي توصف بالعلمانية المتطرفة هي التي أنجبت حكومة إسلامية بل تعد العلمانية في تركيا هي الضامنة لها على اعتبار أن حزب العدالة والتنمية التركي يمارس مشروعه “الدولة المدنية في إطار المبادئ الإسلامية” من منطلق احترام الحريات .
إن ثورة 14 جانفي وما بعدها ثورة 25 جانفي قد سمحت ببروز ثقافة جديدة تمثلت في شكل الاحتجاج وتعاطي السلمي للشباب الثائر مع رد السلطة العنيف كما جعلت من التظاهر والاعتصام السلمي بالساحات العمومية فضاء للتعبير الحر كقناة أوصل من خلالها المتظاهرون مطالبهم مستثمرين في ذلك المعطى التكنولوجي الجديد والمتمثل في الفيس بوك بالأساس وهو الدور الكبير الذي يبرزه الكتاب مبينا تعامل الإعلام العربي مع هذه الثورات الحاصلة والتي وجدناها منحازة وبعيدة عن الموضوعية والمهنية التي تعلمها الإعلامي أكاديميا مما يجعل الإعلام طرفا آخر في معادلة الصدام الحاصلة بين المتظاهرين والسلطة.
هذه الإشكالات وأخرى حاولنا مناقشتها في ضوء ما توفر لدينا من معطيات أنتجها الحراك السياسي الذي شهدته البلاد العربية منذ 14 جانفي وتداعياتها التي أتت على هروب الرئيس التونسي بن علي ثم تنحي الرئيس المصري حسني مبارك ثم ما تلا من تغير وتصعيد في المطالب. وإننا نريد من هذا العمل أن يكون شهادة فيما نريد أن نشارك ونشرك المهتمين في هذا الشأن، خاصة وأن الكتاب قد أتى على مناقشة بعض المواضيع ذات حساسية عالية مثل مشكلة الدين والسلطة و تحديات الثورة في تحقيق مطلب الحرية الذي خرج لأجله المتظاهرون في ساحة الحبيب بورقيبة و ميدان التحرير، وكذا أمام تحدي الإسلام السياسي أو ما يسميه خصومه بدعاة الدولة الدينية، مع الإشارة إلى أننا نريد من ذلك تقديم مقاربة لا تنعدم كليا من الموضوعية العلمية وهي المواضيع التي طالما شكلت جزءا من المسكوت عنه في مشاريع الدولة الوطنية والتي وجدناها من خلال عملنا بأنها ضحية الاستعمال الإيديولوجي ورهينة لعبة التوازنات من قبل الأنظمة الحاكمة.